التصميم الداخلي: مقابلة شخصية.

تنويه: هذه التدوينة كتبت بناءً على أسئلة كثيرة وردت من المهتمين بالتصميم الداخلي والراغبين فيه كتخصص أكاديمي، لذا ربما لن تجد إجابات نموذجية عن هذا النوع من العمارة/الفن أكثر منها تجربة ورؤية شخصية تحتمل القبول والردّ.

حين قررت أن أكون مصممة داخلية كان قرارًا سريعًا وصارمًا حُسم أمره خلال ساعات من خطور الفكرة في بالي؛ لأني لم أكن على وعي أني قابعة في “المنطقة المريحة” التي تقتضي أسهل خيار وأيسره، ولقلة الخيارات التي شدّتني في الجامعة. أقدمت عليه كرغبة أولى في جامعة الملك عبدالعزيز بعد الإستخارة، وبعد الاختبار التحريري بأسبوع صدر قبولي.

“على عماي” هو المصطلح الذي يصف وضعي في الفصل الأول لي في التخصص، ولأنه تعذر علي حضور المعرض التعريفي في إجازة الصيف، لم أكن أعرف أحدًا أستفسر منه عن طبيعة التخصص وماهيته، وحتى إن حاولت البحث لا يمكنني مقابلة أي من الطالبات بالممرات خطأ أو في أي مكان عمومي في الجامعة لأنهم ببساطة -كما اكتشفت شخصيًا لاحقًا-  جالسات في الاستوديوهات يتعاركن مع الوقت يحاولن كسب وده بالكاد يجدون الدقيقة للأكل أو للأحاديث الجانبية، ولأني عمت طويلاً حتى رست قدماي، ومررت بكل هذا الضياع، أكره أن يمر أحد به!

لو قررنا حسم أمر التخصص في نقاط هكذا سيبدو:

١- استيفاء الشروط، اختياره كرغبة، اختبار القبول

يتحتم عليك كمهتمة الاطلاع على هذه الصفحة للمسار العلمي و للمسار الأدبي وقراءة توصيف المقررات ونوعية المواد وساعاتها، ومتابعة الأخبار أولاً بأول، بعدها نأتي لمرحلة الاختبار المقرر في تاريخه وطبيعته.

وضع الاختبار للاختيار من بين العدد الكبير من المتقدمين مع القدرة الاحتمالية للقسم على الاستقبال، الأعداد تصل إلى ١٢٠ متقدمة واتساع الاستوديوهات الحالي يكفي ٣٣ طالبة فقط (مع وعد بالتوسعة)، فالاختبار كان الحل الأمثل للمفاضلة. يُطلب منك إحضار أدوات أساسية للإظهار (أقلام رصاص، مساطر، ألوان..) لحل بعض الأسئلة العملية، بجانب الأسئلة التحريرية التي تهدف لقياس مستوى الطالبة الفني وإدراكها وخلفيتها فيه، ويتم شرح كل سؤال بالتفصيل الممل على الورق والمشرفات متعاونات للغاية. على سبيل المثال في الأسئلة النظرية: (التفريق بين الألوان الباردة والحارة، مقاس ارتفاع الأبواب، محاولة إيجاد شكل المكعب مفرودًا..) وجميعها منطقية للغاية في حال فكّرت فيها جيدًا!  ومثال الأسئلة العملية: (نقش إسلامي مكون من عدة أشكال هندسية متراكبة ومتداخلة -دوائر سداسيات ومربعات- ويطلب منك إبراز أحد هذه الأشكال بالألوان وبطريقة فنية، رسمة لمنظور صالة داخلية يطلب منك بالقلم الرصاص إعطاؤها الملامس -أشكال الملامس مرفقة بصفحة مستقلة-..) والاختبار والتخصص بشكل عام لا يتطلبان قدرة خارقة على الرسم اليدوي والتكوين وأساسياتهما كما يُعتقد، بل يعتمد بنسبة كبيرة على الذوق والذكاء في الاخراج.

العزيزة رغد نعمان من أحد الدفعات الحديثة جدًا زودتني بملف فيه مجموعة أسئلة وردت في اختبار القبول، يمكنك الاطلاع عليها من هنا.

٢- طبيعة التخصص، الطاقم الأكاديمي

* الرغبة، والشغف، والذكاء والاجتهاد هم الوقود الأمثل للمسيرة العلمية والفنية في تخصص التصميم الداخلي. ولطالما أيقنت طالما وجدت هذه الأربعة ووضحت الرؤية هانت جميع العقبات مهما بلغت وتحققت الاستفادة الكبرى من كل الوسائل المتاحة.

إذا قلنا أن ٩٥٪ من المواد الإجبارية هي مواد عملية بشكل عام، و المواد النظرية الـ ٥٪ تحتم عليك ممارستها حتى ترسخ، لذلك لا مفر من ثبات المعلومة وهذا الأمر أكثر ما أحببته في طبيعة المواد والتخصص ككل. المادة الأساسية في كل فصل دراسي يطلق عليها اسم “ستوديو” تحوي كل ما يتعلق بمشروع الفصل سواء كان (سكني، إداري، تجاري أو غيره) بالإضافة لكثير من القواعد والأسس العامة في التصميم والعمارة والفنون. *من المتعارف عليه بين الطلاب سؤال: أنت ستوديو كم؟ بهذا تعرف في أي مرحلة هو.* 

نوع المواد ثقيل كما وكيفًا، فالمحاضرات ساعاتها طويلة تنقسم بين الشرح والتطبيق، بالإضافة إلى التكاليف المنزلية، فمن غير الطبيعي أن تعود يومًا المنزل مرتاح البال لا تكليف عندك تؤديه، وربما يجتمع عليك أكثر من تكليف في يوم واحد وهذا أمر جدًا طبيعي، في البداية كنا نعترض ونطلب منهم الرفق والتأجيل وكانت الإجابة المتفق عليها بين كثير من المهندسات: “أديروا أوقاتكم بشكل جيد! ليست مشكلتنا” والبعض يتعاون معنا، وكلا التعاملين صقلا فينا جانبًا مهما من جوانب المصمم الداخلي.

الحياة الاجتماعية المثالية ستبدو أمرًا كماليًا جدا. أحد أول الجمل التي اُستقبلنا بها في التخصص: “لو كانت واحدة فيكم مخطوبة أو متزوجة من الأفضل لها أن تنسحب” وكانت أشبه بصفعة لطيفة على وجه المرتبطات فينا لكنها أيقظت فيهن التحدي، وبعد التخصص صرت أؤيد ذلك!

يعتمد التخصص بشكل كبير على الاطلاع الشخصي والتدريب والممارسة الفردية اللا صفية، التخصص بحر يجمع بين الفن والعمارة، بين الابتكار ومراعاة القواعد، فالتوقف عند كل نقطة وشرحها أمر يصعب في كثير من الأحيان، فذكر المصطلح في المحاضرة باقتضاب يحتم عليك البحث عنه ومعرفة ما وراءه لأجل استفادتك الشخصية، لذلك لم تفارقني أوراق الملاحظات المليئة برؤوس الأقلام والكلمات المتقاطعة التي أردت البحث عنها لاحقًا أكثر.

التصميم الداخلي يهذب العشوائية، لا يمكنك فعل شيء بدون إيجاد تبرير -مهما بدا وهميًا وحالمًا- لفعله، أفكر أن أكتفي بهذه الجملة عن شرحها وترك المجال لك لتجربتها بنفسك، هذه الخاصية ستصبح من سماتك كمصمم، وأراها عن نفسي جدا لذيذة!

* الطاقم الأكاديمي في التخصص من دكاترة ومهندسين ومعيدين يشتركون في أمر واحد: حب التخصص. والحب يجرّ وراءه العديد من الصفات الجميلة. فمعظم الطاقم يحاول أن يجيبك على كل استفساراتك، ويعاونك في كل ما قد يصعب عليك، يتواجد بكل طريقة تمكنه، والتفهم بين الطلبة والأساتذة عال جدا، وبقدر ملفت، لأن المصمم بطبيعته يحاول أن يكون “إنسانًا” أمثل كما يجب، ولن تجد أحدا يفهم تقلباتك النفسية أو المزاجية ويعذرك عليها ويساعدك للخروج منها كمصمم مثلك، وعلى العكس لا يمكنك استفزاز مصمم بطريقة أكثر من إشعاره أنك مهمل!

واجهتنا صعوبة في بادئ الأمر في التعامل مع الأساتذة كونهم اعتادوا على أن يخاطبوا مستوى أعلى الذي أمامهم ويفهمه، متناسين أن طلاب ستوديو ١ لا يفقهون في الأسس المعمارية على وجه الخصوص ولا اللغة المستخدمة بينهم، لذا كانت أصعب مرحلة هي أن نجمع أكبر قدر من المصطلحات يوميا ونراجع جميع ما ندرس حتى لا نتعرض لحالات بطئ الاستيعاب والإحباط في المحاضرات القادمة قدر الإمكان.

 

ربما تراودك بعض الأسئلة عن طبيعة المعماري والمصمم الداخلي وفناني الديكور والفرق فيما بينهم.

ببساطة، وكما ذكر في White Hutchinson المعماري والمصمم الداخلي كلاهما يعتبران تخصصان فنيان. المعماري يُدرب ويعمل على بناء وتصميم هيكلة المباني عملية وإبداعية مع اعتبار العوامل المحيطة وقوانين البناء في المنطقة والدولة. بينما المصمم الداخلي يُدرب على خلق بيئة داخلية ذات سمات عملية وجودة عالية مع اعتبار أن “المستخدم/الإنسان” هو الهدف والأولوية دائمًا. يركز المعماري على الأمور التقنية بشكل أساسي، بينما المصمم الداخلي يركز على سيكولوجية المستخدم والجوانب الإنسانية. ووجودهما في أي عمل أمر ضروري لا يمكن لأحد منهم ملئ مكان الآخر (فما بالكم بمقاول!)

أما المقارنة المجحفة دومًا، هي مقارنة المصممين الداخليين بفناني الديكور. رغم أن كلاهما يعنيان بالجماليات والأنماط إلا أن فنان الديكور يقتصر عمله على التغييرات السطحية (كالدهانات، الأقمشة وبعض الخامات) بينما المصمم الداخلي يعمل على تطوير مخططات هندسية للمساحات بجداول المواصفات مع مراعاة قوانين البناء والسلامة والتخطيط الكهربي وغيرها الكثير.

 

 

حتمًا ستواجهك بعض الانتقاصات من كثير من الأشخاص (لأنه هكذا جرت العادة في الانتقاص من التخصصات الفنية)، وشخصيًا واجهت شخصًا قديرًا عالمًا يستخدم لفظ “مصممة” كأسلوب إهانة حينما ذكرت اسم أحد الأكادميين في التصميم الداخلي “بمهندسة” وصححه لي، وكأني بذلك أهنت مسيرته الحافلة وسنين عمره التي قضاها في دراسة العمارة. حسنًا لا أستطيع منع نفسي من قول أحد أكثر الجمل المهينة إبتكارًا والتي قالتها صديقتي في نقاش مطول: “مو معقول أدرس أربع من سنين من عمري بس عشان أعرف فين أحط الكنبة!” آسفة سندس بس مضطرة ههههههه! الحل ليس في محاولة المناقشة والأخذ والرد، التجاهل التام هو الحل وربما ضحكة ساخرة (لأنهم لا يعرفون دخلك الشهري كمصمم). لأن في معظم البلدان سوق العمل منصف جدًا، لا فرق في المسميات الوظيفية لكن جدك وعملك وابتكارك هما اللذان يفرضان وجودك وينزلك منزلتك التي تستحقها من الاحترام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *